وجدت الهند الوصفة المناسبة للانزلاق نحو كارثة ماحقة من
خلال اختيار هندوسي متطرف رئيسا لأكبر ولاياتها وأكثرها فقرا واكتظاظا بالسكان..
هذا على الأقل ما يثير مخاوف البعض ومنهم ديفيش كابور رئيس
مركز الدراسات الهندية المتقدمة بجامعة بنسلفانيا الأميركية. فقد جاء اكتساح حزب باراتيا
جاناتا انتخابات ولاية أوتار براديش العام الماضي ليفتح الباب واسعا أمام مودي لفترة
رئاسية أخرى في 2019. ومع التوقعات الكبيرة بإصلاحات على يد إدارة مودي القوية فقد
انتعشت أسواق الأسهم الهندية..
فقد مارست الأحزاب السياسية طوال عقود عديدة أنواعا مما يسمى
الاستراتيجية العلمانية من أجل تأمين الأصوات الانتخابية من (مصرف أصوات) المسلمين،
وقد أشاع ذلك قدرا من القلق في أوساط الغالبية الهندوسية، لكن لم يطرأ مع ذلك أي قدر
من التحسن على الوضع المعيشي للمسلمين. ففي ولايات أوتار براديش لم يقدم حزب جاناتا
باراتيا أي مرشح مسلم، وذلك على الرغم من أن المسلمين يمثلون 18 بالمائة من سكان الولاية..
وينبه الإكاديمي كابور في موقع ( بروجكت سنديكيت) إلى إن
ذلك لا يعني أن انتصار جاناتا باراتيا سيكون أمرا سيئا بالنسبة للمسلمين، على الأقل
نظريا، مشيرا إلى العكس حيث حقق الفوز الحزب وضعا قويا لمخاطبة الهموم التنموية المحورية.
ولكن الحكم على أفعال الحزب منذ انتخابه سيجعل من غير المحتمل حدوث ذلك. فقد أفصح الحزب
عما يجول بخاطره بعد أيام فقط من الانتخابات عندما اختار القس السياسي يوجي اديتياناس
رئيسا لوزراء ولاية أوتار براديش، وعلى الرغم مما يحظى به أديتياناس من قاعدة جماهيرية
قوية إلا أنه يفتقر تماما إلى الخبرة الإدارية. والمزعج في الأمر هو أنه يمثل أكثر
العناصر المتطرفة في الحزب، وأحد المخلصين للتيار الهندوسي القومي المتطرف الذي يستهدف
المسلمين، ويتهم هو وأعوانه بأنهم وراء إثارة أعمال الشغب. وقد جر عليه سلوكه الإجرامي
اتهامات عديدة لم تراوح مكانها بسبب البطء الشديد في المحاكم. ومع منصبه الجديد في
الولاية الذي يتيح تحكمه في الشرطة فإن تلك القضايا لن تتحرك إلى الأمام. وقد أهله
مسلكه ليحوز صك التأييد من الجناح العقائدي للحزب الذي دعم حصوله على المنصب.
ووفقا لذلك فإن تعيين اديتياناس فيه إشارة إلى أن حزب جاناتا
باراتيا سيوظف مشاعر الكراهية للمسلمين في جهوده لتعزيز الأصوات في انتخابات 2019.
لكن هذه الاستراتيجية تبدو متناقضة مع تصريحات مودي التي تركز على التنمية الاقتصادية.
ويبدو إلى ذلك إن تداعيات ترقية اديتياناس، والرسالة الموجهة إلى المسلمين وهم أكبر
أقلية دينية تفيد بأن التنمية الاقتصادية ستعاني كثيرا. وسيتأذى المسلمون بشدة من ذلك
حيث سيواجهون المزيد من التهميش مع كبح طموحاتهم الاقتصادية. وبالنظر إلى عدديتهم فإن
تلك التوجهات ستصيب التنمية الاقتصادية في مقتل.
وسيكون أثر ذلك محسوسا في جميع أنحاء ولاية أوتار براديش،
وإذا زاد الاستقطاب فإنه لن يكون هناك أثر للاستثمارات، كما أن الرصيد البشري المتناقص
للولاية سيحزم أمتعته للرحيل إلى مناطق أخرى. ولأن الولاية تضم سدس سكان الهند فإن
ذلك سيكون له تداعيات على المدى البعيد على النمو الاقتصادي لكامل البلاد. وفيما يتصل
بالمؤشرات الاجتماعية المتواضعة للولاية- حيث أن لديها أكبر نسبة وفيات بين الأطفال
الرضع- فسيكون لذلك آثار سلبية على الهند بشكل عام على الصعيد الخارجي..
وهكذا فإن اختيار متطرف عقائدي لمنصب رئيس الوزراء لأكبر
ولاية هندية قد يفيد الحزب على المدى القصير في الانتخابات، لكن قد تكون له عواقب وخيمة
في المدى الطويل. وتتجاوز هذه المخاطر مجرد المجال الاقتصادي. وعلى الرغم من أن الهند
هي موطن لأكبر مجموعة مسلمة في العالم فإن أفراد هذه المجموعة لم يرد ذكرهم في المناقشات
العالمية الدائرة بشأن المجموعات المتطرفة، ولربما يعود هذا إلى طبيعة المجتمع التعددية
والديمقراطية التنافسية التي تشعر فيها كافة الجماعات بأنها مشمولة في النظام على الرغم
من ضآلة فرصهم للفوز أو الترقي.
ويشعر مسلمو الهند بأن هناك تعمدا لإقصائهم خاصة مع تعيين
المتطرف اديتياناس، وقد يصل بهم الأمر إلى التفكير بأنه لم يعد لديهم ما يفقدونه. وقد
تكون فئة الشباب المتنامية سريعا والطامحة للوظائف هدفا لمثيري الشغب، بينما تتحول
السياسات الهندية الحالية تجاه المسلمين إلى ما يشبه اللعب بالنار عندما يبحث متطرفو
الخارج عن مناصرين داخل البلاد. وعلى كل فقد أعطت انتخابات اوتار براديش تفويضا قويا
لرئيس الوزراء مودي، لكن بدلا من أن يستغل ذلك في رفعة ولاية متخلفة فإنه يبدو وكأنه
يحاول الإفادة من الفرصة لأطماع حزبية. وبينما دعا مودي حزبه إلى التواضع عقب الانتخابات
فإن تعيين المتطرف اديتياناس يبدو كنوع من الثقة المفرطة بالنفس، بل مثل ايكاروس الذي
تحكي عنه الأساطير، فالسيد مودي يبدو وكأنه يطير لحجب ضوء الشمس غير مدرك للمخاطر العظيمة..