لا يعني أن ينهض أي بلد اقتصاديا أنه بذلك يحافظ على وجوده واستمراره ، فعوامل البقاء والاستمرار لا تستند فقط إلى التقدم الاقتصادي، بل هناك عوامل أخرى للبقاء والاستمرار على قمة التقدم ، فكثيرا مادالت دول، وبعد أن كانت في قمة الهرم الدولي أصبحت الآن أسفل قاعدته ، وكم ازدهرت حضارات، وبين طرفة عين وانتباهتها انطفأ بريقها، ومن الواضح أن عوامل البقاء تستند في الأساس على رقي أخلاق الأمم والحضارات فإذا تدنت الأخلاق زالت هذه الأمم وتلك الحضارات، فأين حضارة الفرس؟ وأين إمبراطورية الروم؟ وأين بريطانيا العظمى؟ التي كانت تسيطر على بقاع واسعة من الكرة الأرضية؟
وحالة الهند التي تحتضن فسيفساء من الديانات واللغات واللهجات، تسود فيها الهندوسية، بوصفها الديانة التي يحكم معتنقيها البلاد الآن، وللهندوسية دور متعاظم في رفض الآخر، بعنصره وعرقه ودينه، وهذا هو بيت القصيد في حالة الهند التي يتعاظم فيها التطرف الهندوسي بشكل يتجه بالدولة إلى نقطة النهاية، بل ورئيس وزراءها الحالي "ناريندرا مودي" حين تم ارتكاب محرقة ضد المسلمين في ولاية جوچارات الهندية عام 2002، كان يشغل منصب رئيس حكومة هذه الولاية، وهو من أشرف على المحرقة.
فلن يمنع التقدم الاقتصادي أو التكنولوجي أو غيره، سقوط الدولة، أي دولة، حال تطرفها، وميلها إلى دين يرفض بقية الأديان من التعايش تحت سماء واحدة على أرض واحدة، وقد عبر عن هذه الحالة الدبلوماسي والمربي والصحفي الهندي خشوانت سينج أصدق تعبير إذ قال في مقدمة كتابه (نهاية الهند):"قد لا تكون باكستان أو أي قوة خارجية هي التي ستحطمنا، بل يمكن أن نـُدمر أنفسنا بأنفسنا، معلقا بذلك على مذبحة جوچارات عام 2002 والتي أحرق فيها الهندوس آلاف المسلمين وهم أحياء، ومشيرًا إلى أن الأمر لم يكن عشوائيًا، بل كان مُهَنْدَسًا من أجل فوز المرشح الهندوسي في انتخابات الولاية ، والذي يدعم النظرية الهندوسية المتطرفة التي لا تحب ذكر أي شيء من تجاربنا في قصتنا الحديثة" ويقول: "عندما حصلت الهند على استقلالها لم يخطر ببال أحد أن الخطر القادم على الهند هو من داخل الهند نفسها".
ويقول أحد محرري جريدة "ستيتسمين" الهندية: "إن الهندوسية تقتل الهند وتقضي على الأمة الهندية، باختصار: إذا أرادت الهند أن تعيش فعلى الهندوسية أن تموت.
ويؤكد هذه الرؤية زعيم المنبوذين إمبيدكار فيقول: "إذا أراد الهندوس أن يكونوا مجتمعين غير ممزقين فعليهم تجاهل مبادئ الهندوسية وتجاوزها، فالهندوسية هي أكبر عائق في طريق وحدة المجتمع الهندي، وهي غير قادرة على توفير العوامل الأساسية لأي مجتمع متكامل وموحد.
كما أن الهند في وضعها الحاضر بما تضم من أعراق وأديان ولغات وأقوام ومذاهب اجتماعية وغيرها، تركيبة غير سوية وغير سليمة في حد ذاتها ولا يمكن دوامها مترابطة على هذا النمط، فهي خليط أشبه بمزج الطين على العسل أو الحلويات بالبصل، فإذا كان هذا غير ممكن فإن بقاء الهند على ما هي عليه غير ممكن أيضًا، ولذا فإنه لا بد لهذا العقد المصطنع أن ينفرط في يوم من الأيام، بل يجب أن ينفرط لكي تعيش كل الأقوام الموجودة في هذه البقعة من العالم بحرية في نطاق عقائدها وتقاليدها ولغاتها.
من مقدمة كتابي: تفكيك الهند