باكستان تتجه نحو الصين بعد تعليق تعاونها الأمني والعسكرى مع واشنطن

يراهن المراقبون على اتجاه باكستان إلى تطوير علاقات تعاونها المخابرات والعسكري مع الصين بعد قرارها بتعليق تعاونها في كلا المجالين مع واشنطن. مشيرين إلى أن القيادة الباكستانية تشعر بالإحباط وخيبة الأمل من مواقف الحليف الأمريكي وجحوده لكل ما قدمته باكستان طيلة خمسة عشر عاما من جهود وتضحيات في الحرب على الإرهاب ودعم الجهد الدولي لتحقيق الاستقرار في أفغانستان وهو ما كبد اقتصاد باكستان خسائر فاقت 120 مليار دولار .

وبقدر ما كان سريعا.. لم يكن مفاجئا.. ذلك القرار الباكستاني بتعليق التعاون المخابرات والأمني مع الولايات المتحدة، فقد جاء في أعقاب قرار الإدارة الأمريكية بوقف المساعدات العسكرية والأمنية المقدمة لباكستان مع بداية العام 2018 بحجة عدم تعاونها بما يكفى في مكافحة الإرهاب وتقديم الملاذ الآمن لعناصر طالبان.

وأمام مؤتمر لمعهد الدراسات الإستراتيجية الباكستاني، أعلن وزير الدفاع الباكستاني خورام داستيجير خان الثلاثاء الماضي وقف كافة أشكال التعاون بين بلاده دفاعيا واستخباراتيا مع الولايات المتحدة. متهما واشنطن بالتعامل مع باكستان وكأنها "كبش الفداء" لما اعتبره الوزير "إخفاقات عسكرية وسياسية منيت بها الولايات المتحدة في أفغانستان" .

واعتبر براين كوغلى ملحق الدفاع الاسترالي السابق لدى إسلام آباد وخبير الشأن الاستراتيجي أن المواقف الأمريكية الأخيرة تجاه باكستان وما تلاها من ردود باكستانية لن تخلق سوى مزيد من العزلة الأمريكية من هذا الجزء من العالم وستدفع الصين وباكستان إلى مزيد من التقارب لملء الفراغ الذي سيحدثه تعليق التعاون المخابرات والعسكري بين باكستان والولايات المتحدة.

ونبه الخبير الاستراتيجي الأمريكي إلى أن الصين ستعزز سريعا من تواجدها الأمني والاستراتيجي مع باكستان بما يحقق لها مصالحها الوطنية في هذا الجزء القريب من حدودها من العالم.

من جانبه، قال كلود ريكستيس خبير الشئون الباكستانية في قسم الدراسات الآسيوية بجامعة جورج تاون الأمريكية إن الإجراءات الأمريكية العقابية ضد باكستان ستدفع إسلام آباد إلى وضع كل رهاناتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية على بكين التي أعلنت أنها تخطط لبناء ثاني قواعدها البحرية خارج حدودها في منطقة جنوب باكستان ذات الأهمية الإستراتيجية وذلك من خلال إقامة محطة للخدمات العسكرية الملاحية للسفن الصينية الحربية في ميناء جوادر الباكستاني بإقليم بلوشستان وهو في الأساس ميناء مدني يقع على مسافة 50 ميلا شرق الحدود الباكستانية الإيرانية.

وأكدت صحيفة تشاينا مورنينج بوست واسعة الاطلاع والتي تصدر في بكين صحة تلك الأنباء، زادت في القول إن أهم ما يميز منطقة بلوشستان هي منطقة توترات عرقية لسكانها المنتمين إلى أصول بلوشية دأبت على شن حرب عصابات ضد إيران وباكستان على السواء.

وأشارت الصحيفة الصينية إلى أن إقامة قاعدة عسكرية صينية دائمة هناك سيساعد على بناء الاستقرار في هذا الإقليم وسيشكل محور تعاون بناء بين باكستان وبكين من جهة وبين إيران وبكين من جهة أخرى وكلاهما تتواصل معها سلطات بكين سياسيا في هذا الشأن.

وجاءت التوجهات الصينية صوب تعزيز التعاون مع باكستان في إطار توجه استراتيجي تتبناه الصين للتمدد حول العالم خارج سورها العظيم، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الصين كانت قد دشنت في يوليو من العام الماضي أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي في القرن الافريقى ذي الأهمية الإستراتيجية.

ويرى المحلل السياسي الباكستاني شيخ فهد أن بكين وإسلام آباد قد وجدا مجال تعاون مشترك على صعيد المصالح البحرية الإستراتيجية حيث بالإمكان استخدام قاعدة ميناء "جودار" كمنصة لتسيير دوريات مشتركة لبحرية البلدين لحماية خطوط التجارة والملاحة في المحيط الهندي.

بدوره، اعتبر راجيب رعنان راجفيدى أستاذ العلاقات الدولية الهندي في جامعة سنغافورة الوطنية إن التقارب الأمريكي الهندي على حساب باكستان سيفتح المجال بلا حرج أمامها لتقارب اكبر مع الصين في مواجهة الهند. مشيرا إلى كل من الهند وباكستان قد بلورتا خياراتهما التحالفية مع بداية العام الجاري وسيزداد وضوح وترسخ تلك التحالفات خلال الشهور القادمة .

وبينما نفت السفارة الأمريكية في إسلام أباد تلقيها أية إخطارات رسمية بوقف التعاون المخابراتي والعسكري بين باكستان والولايات المتحدة، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس بقاء كافة خطوط الاتصالات مفتوحة مع القيادة العسكرية في باكستان برغم قرار واشنطن تعليق المساعدات العسكرية لها والبالغ قيمتها ملياري دولار أمريكي سنويا ، كما أكد ماتيس في بيان صحفي أن خطوط الإمداد والتموين للقوات الأمريكية العاملة في أفغانستان ستظل تمر بالا راضى الباكستانية رغم وقف المساعدات الأمريكية.

واعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية إن قرار وقف المساعدات العسكرية المقدمة لباكستان ما هو إلا إجراء يستهدف تحفيز الباكستانيين على اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن "الجماعات الإرهابية التي تعمل انطلاقا من أراضيها" بما في ذلك شبكة حقاني الإرهابية وتنظيم طالبان.

وفى المقابل، ذكرت باكستان أن خطوط اتصالاتها مع منظمة حلف شمال الأطلنطي "ناتو" لا تزال قائمة ومفتوحة لكن التعاون العسكرى مع واشنطن قد تم انهاؤه بعد تغريدة للرئيس الامريكى على تويتر بتاريخ الأول من يناير الجارى وصف فيها النهج الباكستانى فى مكافحة الارهاب بأنه "سلسلة من المخادعات والأكاذيب حيث تقدم الباكستان المأوى للإرهابيين من منفذى العمليات فى أفغانستان وتتعاون مع الجهود الأمريكية سوى بالنذر اليسير.. ولا شيء أكثر من ذلك " .

لكن وزير الدفاع الأمريكي عمل على تخفيف حدة الإجراءات الأمريكية متبنيا لهجة تلطيفية إزاء الباكستان عندما أعلن أمس الجمعة  أن المساعدات الأمريكية لها ستعود إذا قررت إبداء "همة اكبر" في التعاون في مكافحة الإرهاب وان الولايات المتحدة تدرك إن الباكستانيين قد قدموا تضحيات مادية وبشرية تفوق ما تكبدته دول حلف شمال الاطلنطى مجتمعة فى ساحات مواجهة الارهاب فى افغانستان.


وتشمل المساعدات العسكرية والأمنية الأمريكية لباكستان التى قرر ترامب إلغاءها مليار دولار أمريكي مساعدات عسكرية سنوية منها 225 مليون دولار أمريكي مساعدات تمويل شرائية و900 مليون دولار أمريكي لدعم صندوق تعويضات باكستان عما تكبدته من خسائر وهى تواجه الإرهاب.

شارك الموضوع

مواضيع ذات صلة