لعل أكثر ما يميز هذه الانتخابات، ما سبقها من تعيين رئيس محكمة عليا قوي مدعوم من قبل المؤسسة العسكرية، وهو ما مكّنه من تطهير جزء من الحياة الحزبية السياسية، فنزع الأهلية السياسية عن زعيم حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف،
.أحمد موفق زيدان، كاتب صحفي سوري |
بقلم: د. أحمد موفق
زيدان
شهر كامل تقريباً يفصلنا
عن الانتخابات الباكستانية ونحن الذين نعيش أجواء نتائج الانتخابات التركية، بينما
العالم العربي غارق بالاستبداد والفوضى ورفض اللجوء للخيار الشعبي. خمسة أيام أمضيتها
في باكستان أجول فيها وألتقي الشخصيات الفاعلة لأتلمس الحياة السياسية الجديدة، بعد
الهزات العنيفة التي تعرّض لها المطبخ السياسي والحزبي خلال السنوات الماضية، إن كان
بموت شخصية كبي نظير بوتو، أو بطلاق حقيقي بين حزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف
ربيب المؤسسة العسكرية لعقود وبين الأخيرة، أو بدخول لاعبين جدد على المضمار السياسي
الباكستاني كلاعب الكركيت الباكستاني عمران خان، وحتى حزب “الله أكبر” لحافظ محمد سعيد
عبر الأبواب الخلفية، وهو الذي تم رصد عشرة ملايين دولار على رأسه بذريعة الإرهاب..
فضلاً عن تغيرات وتبدلات كثيرة وكثيرة.
لعل أكثر ما يميز هذه
الانتخابات، ما سبقها من تعيين رئيس محكمة عليا قوي مدعوم من قبل المؤسسة العسكرية،
وهو ما مكّنه من تطهير جزء من الحياة الحزبية السياسية، فنزع الأهلية السياسية عن زعيم
حزب الرابطة الإسلامية نواز شريف، وإن كان البعض يعتقد أن لهذا علاقة بغضب عسكري باكستاني
عليه لمعاداته للعسكر منذ البداية. ولكن يظل الاعتقاد السائد هو أن العملية السياسية
أصبحت أفضل من السابق، وقد تأخذ منحى جديداً في ظل غياب لاعبين مهمين عن الصراع الانتخابي،
ربما أهم عنوان للمرحلة المقبلة هو تحوّل الأحزاب السياسية إلى أن تكون أحزاباً إقليمية
أكثر من أن تكون أحزاباً وطنية على مستوى الوطن كله.
الصراع الحقيقي اليوم
هو بين حزبي نواز شريف وحزب الإنصاف بزعامة عمران خان، وكلاهما يعتمد على جمهور واحد،
وهو الجمهور المحافظ الذي تتنافس عليه الأحزاب الإسلامية الأخرى أيضاً، مثل الجماعة
الإسلامية وجمعية علماء الإسلام بزعامة مولانا فضل الرحمن، بينما حزب الشعب الباكستاني
الذي يقوده بيلاول زرداري بوتو وهو نجل بي نظير فإنه سيتحول إلى أقرب ما يكون بحزب
خاص بإقليم السند، في ظل غياب الشخصيات الكاريزمية القادرة على جمع شتاته على مستوى
باكستان، بالإضافة إلى تنامي النزعة الإقليمية لدى الأقاليم الأربعة الرئيسية التي
تشكل باكستان.
عصر السلالات العائلية
في طريقه إلى الزوال أو التلاشي على ما يبدو، وسيظهر عصر جديد تغلب عليه الحكومات الائتلافية؛
لعجز أي من الأحزاب الرئيسة على تشكيل حكومة بمفردها. كما سيغلب على العصر الجديد اهتمام
الحكومات الوطنية بالجانب الخدماتي الداخلي؛ فلم يعد الشارع الباكستاني معنياً كثيراً
بالسياسة الخارجية، ولذا فإن مستشاراً سابقاً لرئيس الوزراء لشؤون الخارجية كان كافياً.
وعليه، فإن الشارع الباكستاني اليوم سيقرر تصويته للأحزاب الباكستانية بحسب أدائها
الخدماتي له.
لعل حزب الرابطة الإسلامية
الحاكم اليوم أدرك ذلك فسارع إلى افتتاح مطار إسلام آباد الجديد قبل أوانه، ليظهر مدى
الخدمات التي يقدّمها للمواطنين وبالتالي يكسب أصواتهم. وثمة مشروع ربما الأضخم من
نوعه خلال المائة عام الماضية يجري في بيشاور، وهو إنشاء شبكة مترو تشق المدينة الضخمة
والمترامية الأطراف من شرقها إلى غربها ثم يشقها عبر طرق فرعية، سيكون مشروعاً خدماتياً
بامتياز في ظل الاختناقات المرورية التي تعاني منها المدينة التاريخية.
المشروع الأضخم وهو
حديث المدن الباكستانية اليوم هو مشروع غوادر، والذي تبلغ كلفته 54 مليار دولار بالتعاون
مع الصين ويربطها مع باكستان وبحر العرب، وميناء غوادر الاستراتيجي ليتم نقل البضائع
الصينية عبر باكستان إلى العالم العربي وأوروبا، وشحن البترول العربي بالمقابل إلى
مناطق سينكيانغ الصينية، ليوفر بذلك آلاف الكيلومترات عن الطرق القديمة. ولكن ما يقلق
النخب الباكستانية اليوم هو حجم الديون التي قد تكبل المواطن الباكستاني بسبب هذه المشاريع
الضخمة. ويبقى القول إن الانتخابات الباكستانية التي سيتجه المواطن للمشاركة فيها يوم
الخامس والعشرين من الشهر المقبل فرصة يمارسها الباكستانيون ويحلم بها كثير من المواطنين
العرب في ظل الفوضى التي فضلها الاستبداد العربي على الرضوخ لرغبة الشعوب.