بقلم: د. أحمد موفق زيدان
مصالح الشعوب هي الدائمة في سياسات ودبلوماسيات الدول، وبقدر نجاح الدول في ربط شعوب الدول الأخرى بها بقدر نفوذها في مجال غيرها وحيّزه، وربط الشعوب لا يتأتى إلاّ بالاستجابة لمصالحها ومنافعها، لتجعل منها الحارس الأول والأخير على مصالحك كدول بعيدة عن دول تلك الشعوب، هذه الشعوب المستفيدة من هذه المصالح والمنافع ترى وتلمس وتشعر أنها بغير ذلك ستكون هي المتضررة الأولى والأخيرة من تقاعسها في الدفاع عن تلك المنافع أو المصالح لا فرق..
أقدم هذه المقدمة الصغيرة وأنا أرقب في باكستان تطور العلاقات بينها وبين قطر، وقدرة البلدين على فعل ما عجزت عنه قوى إقليمية كبرى طوال أكثر من عقد، فالحكاية بدأت بعطش باكستان إلى الغاز والطاقة، وهو ما أرغم مصانع ضخمة على الإغلاق، ودفعها للهجرة إلى دول أخرى، مما خلق بطالة وعطالة خطيرة في صفوف الباكستانيين، بالإضافة إلى اصطفاف طوابير السيارات العاملة على الغاز أمام محطات الغاز الباكستانية، وكذلك انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة مما خلق اضطرابات اجتماعية كادت تودي بحكومات..
تنازعت باكستان طوال هذه الفترة دول ومصالح كثيرة واستغرق ذلك سنوات طويلة حتى حسمت إسلام آباد خيارها باللجوء إلى الخيار القطري بعيداً عن الغاز التركماني المشجع روسيا، وعن الغاز الإيراني، الذي تبين كلفته أعلى بكثير من سعر السوق العالمي، يُضاف إليه لعبة المصالح الهندية-الإيرانية المتشعبة في هذا الملف الذي دفع طهران إلى تقديم ميناء تشاربهار كاملاً للبضائع الهندية ليكون بوابة تلك البضائع إلى آسيا الوسطى وهو ما يُلحق أفدح الضرر بالبضائع والتجارة الباكستانية نظراً لبعد تشاربهار حوالي 30 كم فقط عن ميناء غوادر الباكستاني، والذي لا تُقارن مكانته الاستراتيجية بالأول نظراً لعمق مياهه بحيث يُوفر رسوّ البوارج الكبرى وهو ما أسال لعاب الصين له، فدفعها إلى تعزيز حضورها البحري في جوادر، فتقاطعت مصالح باكستان والصين فيه، والحديث عنه يطول.
نجح السفير القطري صقر بن مبارك المنصوري خلال فترته القصيرة كسفير لبلاده في باكستان في إنجاح مشروع الغاز المسال القطري، وبدأت أولى شحناته ترد إلى الأسواق الباكستانية ويتوقع أن تسدّ قطر بهذه الاتفاقية ثلث احتياجات باكستان الغازيّة، ولكن ما تُعوّل عليه باكستان أيضاً هو الاستثمار القطري في مجال محطات توليد الطاقة الكهربائية وهو عطش باكستاني يصل إلى حدّ الظمأ الحقيقي، حيث ستقوم قطر بإنشاء محطات توليد كهرباء قد تصل طاقتها إلى 2900 ميجاوات وهو سيسدّ تقريباً كل حاجة باكستان من الطاقة الكهربائية والتي شلّت على مدى عقدين الحياة الاقتصادية الباكستانية..
وتأمل المحافل السياسية والاقتصادية الباكستانية أن يكون لهذه المشاريع البعيدة المدى والحيوية والإستراتيجية تأثير مباشر على المواطن الباكستاني إذ إن كلفة الكهرباء ستنخفض بشكل كبير، بالإضافة إلى انخفاض كلفة الغاز، فضلاً عن عودة افتتاح المصانع المغلقة وضخ الحياة مجدداً إلى العجلة الاقتصادية وطاحونتها التي نشف ماؤها..
مثل هذه المشاريع الحيوية والبعيدة عن السياسة ستكون مقدمة لتعاون ربما أكبر وأوسع بين البلدين، وقد يكون مثالاً وأنموذجاً يُحتذى في عالم الدول.